منقول من كتاب رسالتك في الحياة للقديس الذهبي الفم
"فإن جاع عدوك فأطعمه و إن عطش فأسقيه "
رو (12: 20)
وصية جميلة خاصة بالحكمة الروحية ، نافعة لمنفذها و للمستفيدين بها ! لكن بقية النص يثير حيرة عظيمة و يبدو كأنه غير متفق مع نية ناطق الكلمات السابقة ...إذ يقول : " لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه ".
بهذه الكلمات الأخيرة يصيب الفاعل و المستفيد شراً . الاخير لأنه توضع على رأسه جمر نار .. فما المنفعة له من الطعام و الشراب إن كان يجمع على راسه جمر نار ؟! ..أما مقدم المنفعة فهو ايضاً يصيبه ضرراً بطريق آخر ، لانه أي فائدة يجتنيها من صنعه الخير لعدوه إن فعل هذا بقصد جمع نار على رأسه ؟! إذ لا يكون بهذا رحوماً و مترفقاً بل قاسياً و متوحشاً.
فما هو الحل ؟
لقد كان هذا الرجل العظيم و الحكيم (بولس) عالماً تماماً بهذه الحقيقة ،وهي إن مصالحة العدو بسرعة أمر خطير و صعب ، لا بحسب الطبيعة و إنما بسبب تراخي الإنسان . و هو لا يأمرنا فقط ان نصطلح مع عدونا بل و أن نطعمه أيضاً ، الأمر الاكثر صعوبة لانه إن كان البعض لا يقدر حتى على معاينة من يضايقوهم فكيف يرغبون في تقديم الطعام لهم و هم جائعون ؟؟!
و لماذا أقول النظر إليهم يثيرهم ، بل مجرد ذكر اسمهم يعيد إلى ذاكرتهم جراحاتها و يلهب نيران حنقهم .
لقد كان بولس عالماً بهذا وهو يريد إن ما كان قاسياً و صعباً ..سهلاً و بسيطاً. يريد أن يقنع من لا يحتمل معاينة عدوه أن يقدم خيراً ، لذلك أضاف قوله " يجمع جمر نار " حتى يسرع محب الانتقام إلى صنع الخير لعدوه.
كما أن الصياد يحيط الصنارة بطعم من كل جانب ، فتسرع سمكة لتأكل منه كعادتها للحال يأسرها الصياد و يمسكها بسهولة ، هكذا يصنع بولس الذي يريد أن يقود الإنسان إلى تقديم الخير لمضايقيه ، إذ لا يقدم صنارة الحكمة الروحية عاريه ، و إنما يغطيها بمثل هذا الطعم أي "جمر النار " فيدعوا الإنسان المهان الراغب بالانتقام إلى تقديم الخير لمضايقيه.
و إذ يأتي الإنسان بهذا الفعل يصطاده الرسول ولا يتركه يهرب.
فكأن الرسول يقول لمحب الانتقام " إن كنت لا تقدم الطعام للمخطئ إليك من باب الشفقة ، فقدمه من أجل رغبتك في الانتقام . والرسول يعلم انه متى بدأ الشخص في هذا العمل فسيكون هذا بداية إنطلاق للمصالحة بينهما ( و يختبر الشخص حلاوة فضيلة محبة الأعداء ).
إنه بهذا يعين الإنسان الذي غضب و لكن لاحظ كيف يربط بين الاثنين .
أولا عن طريق صنع الخير (لأنه مهما كان الإنسان دنيئا و بلا إحساس ، فإنه بعدما يتقبل الطعام و الشراب يصبح خادماً و صديقاً لمن قدمهما إليه )
ثانياً عن طريق الخوف من الانتقام .0 لأن العبارة " لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه " تبدو كأنها موجهة لمقدم الطعام ، لكنها هي بالأكثر تخص مسبب المضايقة . فبخوفه من العقاب يكف عن العداوة .لأنه يعلم إن أخذ الطعام و الشراب يزيد جرمه إن بقي في العداوة لهذا يصرف غضبه للحال مطفئاً جمر النار
فالعقوبة المقترحة و الانتقام المعلن يقنعان الطرفين : الذي أهين لكي يقدم الخير لمضايقه ، و مسبب الغضب نصده و نجبره أن يصطلح مع من قدم له الطعام والشراب
_________________
يا رب اغفر لي أنا عبدك الخاطئ